فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم قال يوسف عليه السلام: {اذهبوا بِقَمِيصِى هذا فَأَلْقُوهُ على وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا} قال المفسرون: لما عرفهم يوسف سألهم عن أبيه فقالوا ذهبت عيناه، فأعطاهم قميصه، قال المحققون: إنما عرف أن إلقاء ذلك القميص على وجهه يوجب قوة البصر بوحي من الله تعالى ولولا الوحي لما عرف ذلك، لأن العقل لا يدل عليه ويمكن أن يقال: لعل يوسف عليه السلام علم أن أباه ما صار أعمى إلا أنه من كثرة البكاء وضيق القلب ضعف بصره فإذا ألقي عليه قميصه فلابد أن ينشرح صدره وأن يحصل في قلبه الفرح الشديد، وذلك يقوي الروح ويزيل الضعف عن القوي، فحينئذ يقوى بصره، ويزول عنه ذلك النقصان، فهذا القدر مما يمكن معرفته بالقلب فإن القوانين الطبية تدل على صحة هذا المعنى، وقوله: {يَأْتِ بَصِيرًا} أي يصير بصيرًا ويشهد له {فارتد بَصِيرًا} [يوسف: 96] ويقال: المراد يأت إلي وهو بصير، وإنما أفرده بالذكر تعظيمًا له، وقال في الباقين: {وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} قال الكلبي: كان أهله نحوًا من سبعين إنسانًا وقال مسروق دخل قوم يوسف عليه السلام مصر.
وهم ثلاثة وتسعون من بين رجل وامرأة، وروي أن يهودا حمل الكتاب وقال أنا أحزنته بحمل القميص الملطخ بالدم إليه فأفرحه كما أحزنته.
وقيل حمله وهو حاف وحاسر من مصر إلى كنعان وبينهما مسيرة ثمانين فرسخًا.
{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ}
يقال: فصل فلان من عند فلان فصولًا إذا خرج من عنده.
وفصل مني إليه كتابًا إذا أنفذ به إليه.
وفصل يكون لازمًا ومتعديًا وإذا كان لازمًا فمصدره الفصول وإذا كان متعديًا فمصدره الفصل قال لما خرجت العير من مصر متوجهة إلى كنعان قال يعقوب عليه السلام لمن حضر عنده من أهله وقرابته وولد ولده: {إِنّى لأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ} ولم يكن هذا القول مع أولاده لأنهم كانوا غائبين بدليل أنه عليه السلام قال لهم: {اذهبوا فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ} [يوسف: 87] واختلفوا في قدر المسافة فقيل: مسيرة ثمانية أيام، وقيل عشرة أيام، وقيل ثمانون فرسخًا.
واختلفوا في كيفية وصول تلك الرائحة إليه، فقال مجاهد: هبت ريح فصفقت القميص ففاحت روائح الجنة في الدنيا واتصلت بيعقوب فوجد ريح الجنة فعلم عليه السلام أنه ليس في الدنيا من ريح الجنة إلا ما كان من ذلك القميص، فمن ثم قال: {إِنّى لأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} وروى الواحدي بإسناده عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أما قوله: {اذهبوا بِقَمِيصِى هذا فَأَلْقُوهُ على وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا} [يوسف: 93] فإن نمروذ الجبار لما ألقى إبراهيم في النار نزل عليه جبريل عليه السلام بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة فألبسه القميص وأجلسه على الطنفسة وقعد معه يحدثه، فكسا إبراهيم عليه السلام ذلك القميص إسحاق وكساه إسحق يعقوب وكساه يعقوب يوسف فجعله في قصبة من فضة وعلقها في عنقه فألقى في الجب القميص في عنقه فذلك قوله: {اذهبوا بِقَمِيصِى هذا} والتحقيق أن يقال: إنه تعالى أوصل تلك الرائحة إليه على سبيل إظهار المعجزات لا وصول الرائحة إليه من هذه المسافة البعيدة أمر مناقض للعادة فيكون معجزة ولابد من كونها معجزة لأحدهما والأقرب أنه ليعقوب عليه السلام حين أخبر عنه ونسبوه في هذا الكلام إلى ما لا ينبغي، فظهر أن الأمر كما ذكر فكان معجزة له.
قال أهل المعاني: إن الله تعالى أوصل إليه ريح يوسف عليه السلام عند انقضاء مدة المحنة ومجيء وقت الروح والفرح من المكان البعيد ومنع من وصول خبره إليه مع قرب إحدى البلدتين من الأخرى في مدة ثمانين سنة وذلك يدل على أن كل سهل فهو في زمان المحنة صعب وكل صعب فهو في زمان الإقبال سهل ومعنى: لأجد ريح يوسف أشم وعبر عنه بالوجود لأنه وجدان له بحاسة الشم، وقوله: {لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ} قال أبو بكر ابن الأنباري: أفند الرجل إذا حزن وتغير عقله وفند إذا جهل ونسب ذلك إليه، وعن الأصمعي إذا كثر كلام الرجل من خرف فهو المفند قال صاحب الكشاف: يقال شيخ مفند ولا يقال عجوز مفندة، لأنها لم يكن في شبيبتها ذات رأي حتى تفند في كبرها فقوله: {لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ} أي لولا أن تنسبوني إلى الخرف، ولما ذكر يعقوب ذلك قال الحاضرون عنده: {تالله إِنَّكَ لَفِى ضلالك القديم} وفي الضلال هاهنا وجوه: الأول: قال مقاتل: يعني بالضلال هاهنا الشقاء، يعني شقاء الدنيا والمعنى: إنك لفي شقائك القديم بما تكابد من الأحزان على يوسف، واحتج مقاتل بقوله: {إِنَّا إِذًا لَّفِى ضلال وَسُعُرٍ} [القمر: 24] يعنون لفي شقاء دنيانا، وقال قتادة: لفي ضلالك القديم، أي لفي حبك القديم لا تنساه ولا تذهل عنه وهو كقولهم: {إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضلال مُّبِينٍ} [يوسف: 8] ثم قال قتادة: قد قالوا كلمة غليظة ولم يكن يجوز أن يقولوها لنبي الله، وقال الحسن إنما خاطبوه بذلك لاعتقادهم أن يوسف قد مات وقد كان يعقوب في ولوعه بذكره، ذاهبًا عن الرشد والصواب وقوله: {فَلَمَّا أَن جَاء البشير} في: {أن} قولان: الأول: أنه لا موضع لها من الإعراب وقد تذكر تارة كما ههنا، وقد تحذف كقوله: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبراهيم الروع} [هود: 74] والمذهبان جميعًا موجودان في أشعار العرب.
والثاني: قال البصريون هي مع: {ما} في موضع رفع بالفعل المضمر تقديره: فلما ظهر أن جاء البشير، أي ظهر مجيء البشير فأضمر الرافع قال جمهور المفسرين البشير هو يهودا قال أنا ذهبت بالقميص الملطخ بالدم وقلت إن يوسف أكله الذئب فأذهب اليوم بالقميص فأفرحه كما أحزنته قوله: {أَلْقَاهُ على وَجْهِهِ} أي طرح البشير القميص على وجه يعقوب أو يقال ألقاه يعقوب على وجه نفسه: {فارتد بَصِيرًا} أي رجع بصيرًا ومعنى الارتداد انقلاب الشيء إلى حالة قد كان عليها وقوله: {فارتد بَصِيرًا} أي صيره الله بصيرًا كما يقال طالت النخلة والله تعالى أطالها واختلفوا فيه فقال بعضهم: إنه كان قد عمي بالكلية فالله تعالى جعله بصيرًا في هذا الوقت.
وقال آخرون: بل كان قد ضعف بصره من كثرة البكاء وكثرة الأحزان، فلما ألقوا القميص على وجهه، وبشر بحياة يوسف عليه السلام عظم فرحه وانشرح صدره وزالت أحزانه، فعند ذلك قوي بصره وزال النقصان عنه، فعند هذا قال: {أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنّى أَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} والمراد علمه بحياة يوسف من جهة الرؤيا، لأن هذا المعنى هو الذي له تعلق بما تقدم، وهو إشارة إلى ما تقدم من قوله: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى الله وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [يوسف: 86] روي أنه سأل البشير وقال: كيف يوسف قال هو ملك مصر، قال: ما أصنع بالملك على أي دين تركته قال: على دين الإسلام قال: الآن تمت النعمة، ثم إن أولاد يعقوب أخذوا يعتذرون إليه: {وَقَالُواْ ياأبانا استغفر لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خاطئين قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّى إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم} وظاهر الكلام أنه لم يستغفر لهم في الحال، بل وعدهم بأنه يستغفر لهم بعد ذلك، واختلفوا في سبب هذا المعنى على وجوه: الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: والأكثرون أراد أن يستغفر لهم في وقت السحر، لأن هذا الوقت أوفق الأوقات لرجاء الإجابة.
الثاني: قال ابن عباس رضي الله عنهما: في رواية أخرى أخر الاستغفار إلى ليلة الجمعة، لأنها أوفق الأوقات للإجابة.
الثالث: أراد أن يعرف أنهم هل تابوا في الحقيقة أم لا، وهل حصلت توبتهم مقرونة بالإخلاص التام أم لا.
الرابع: استغفر لهم في الحال، وقوله: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكُمْ} معناه أني أداوم على هذا الاستغفار في الزمان المستقبل، فقد روي أنه كان يستغفر لهم في كل ليلة جمعة في نيف وعشرين سنة، وقيل: قام إلى الصلاة في وقت فلما فرغ رفع يده إلى السماء وقال: «اللهم اغفر لي جزعي على يوسف وقلة صبري عليه، واغفر لأولادي ما فعلوه في حق يوسف عليه السلام» فأوحى الله تعالى إليه: قد غفرت لك ولهم أجمعين. وروي أن أبناء يعقوب عليه السلام قالوا ليعقوب وقد غلبهم الخوف والبكاء: ما يغني عنا إن لم يغفر لنا، فاستقبل الشيخ القبلة قائمًا يدعو، وقام يوسف خلفه يؤمن وقاموا خلفهما أذلة خاشعين عشرين سنة حتى قل صبرهم فظنوا أنها الهلكة فنزل جبريل عليه السلام وقال: «إن الله تعالى أجاب دعوتك في ولدك وعقد مواثيقهم بعدك على النبوة» وقد اختلف الناس في نبوتهم وهو مشهور. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرًا}
وفيه وجهان: أحدهما: مستبصرًا بأمري لأنه إذا شم ريح القميص عرفني.
الثاني: بصيرًا من العمى فذاك من أحد الآيات الثلاث في قميص يوسف بعد الدم الكذب وقدّه من دُبُره. وفيه وجه آخر لأنه قميص إبراهيم أنزل عليه من الجنة لما أُلقي في النار، فصار لإسحاق ثم ليعقوب، ثم ليوسف فخلص به من الجب وحازه حتى ألقاه أخوه على وجه أبيه فارتد بصيرًا، ولم يعلم بما سبق من سلامة إبراهيم من النار ويوسف من الجب أن يعقوب يرجع به بصيرًا.
قال الحسن: لولا أن الله تعالى أعلم يوسف بذلك لم يعلم أنه يرجع إليه بصره... وكان الذي حمل قميصه يهوذا بن يعقوب، قال ليوسف: أنا الذي حملت إليه قميصك بدم كذب فأحزنته فأنا الآن أحمل قميصك لأسرّه وليعود إليه بصره فحمله، حكاه السدي.
{وأتوني بأهلكم أجمعين} لتتخذوا مِصرَ دارًا. قال مسروق فكانوا ثلاثة وتسعين بين رجل وامرأة.
قوله عز وجل: {ولمّا فصلت العير} أي خرجت من مصر منطلقة إلى الشام.
{قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف} فيها قولان: أحدهما: أنها أمارات شاهدة وعلامات قوي ظنه بها، فكانت هي الريح التي وجدها ليوسف، مأخوذ من قولهم تنسمت رائحة كذا وكذا إذا قرب منك ما ظننت أنه سيكون.
والقول الثاني: وهو قول الجمهور أنه شم ريح يوسف التي عرفها.
قال جعفر بن محمد رضي الله عنه: وهي ريح الصبا. ثم اعتذر فقال: {لولا أن تفندّون} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: لولا أن تسفهون، قاله ابن عباس ومجاهد، ومنه قول النابغة الذبياني:
إلا سليمان إذ قال المليكُ له ** قم في البرية فا جددها عن الفنَد

أي عن السفة.
الثاني: معناه لولا أن تكذبون، قاله سعيد بن جبير والضحاك، ومنه قول الشاعر:
هل في افتخار الكريم من أود ** أم هل لقول الصديق من فند

أي من كذب.
الثالث: لولا أن تضعّفون، قاله ابن إسحاق. والتفنيد: تضعيف الرأي، ومنه قول الشاعر:
يا صاحبي دعا لومي وتفنيدي ** فليس ما فات من أمري بمردود

وكان قول هذا لأولاد بنيه، لغيبة بنيه عنه، فدل هذا على أن الجدَّ أبٌ.
الرابع: لولا أن تلوموني، قاله ابن بحر.
ومنه قول جرير:
يا عاذليَّ دعا الملامة واقصِرا ** طال الهوى وأطلْتُما التفنيدا

واختلفوا في المسافة التي وجد ريح قميصه منها على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه وجدها من مسافة عشرة أيام. قاله أبو الهذيل.
الثاني: من مسيرة ثمانية أيام، قاله ابن عباس.
الثالث: من مسيرة ستة أيام، قاله مجاهد. وكان يعقوب بأرض كنعان ويوسف بمصر وبينهما ثمانون فرسخًا، قاله قتادة.
قوله عز وجل: {قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أي في خطئك القديم، قاله ابن عباس وابن زيد.
الثاني: في جنونك القديم، قاله سعيد بن جبير. قال الحسن: وهذا عقوق.
الثالث: في محبتك القديمة، قاله قتادة وسفيان.
الرابع: في شقائك القديم، قاله مقاتل، ومنه قول لبيد:
تمنى أن تلاقي آل سلمى ** بحطمة والمنى طرف الضِّلال

وفي قائل ذلك قولان:
أحدهما: بنوه، ولم يقصدوا بذلك ذمًا فيأثموا.
والثاني: بنو نبيه وكانوا صغارًا.
قوله عز وجل: {فلما أن جاء البشير}
وفي قولان:
أحدهما: شمعون، قاله الضحاك.
الثاني: يهوذا. سمي بذلك لأنه أتاه ببشارة.
{ألقاه على وجهه} يعني ألقى قميص يوسف على وجه يعقوب.
{فارتدَّ بصيرًا} أي رجع بصيرًا، وفيه وجهان:
أحدهما: بصيرًا بخبر يوسف.
الثاني: بصيرًا من العمى.
{قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: إني أعلم من صحة رؤيا يوسف ما لا تعلمون.
الثاني: إني أعلم من قول ملك الموت أنه لم يقبض روح يوسف ما لا تعلمون.
الثالث: إني أعلم من بلوى الأنبياء بالمحن ونزول العراج ونيل الثواب ما لا تعلمون.
قوله عز وجل: {قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا} وإنما سألوه ذلك لأمرين:
أحدهما: أنهم أدخلوا عليه من آلام الحزن ما لا يسقط المأثم عنه إلا بإجلاله.
الثاني: أنه نبيُّ تجاب دعوته ويعطى مسألته، فروى ابن وهب عن الليث بن سعد أن يعقوب وإخوة يوسف قاموا عشرين سنة يطلبون التوبة فيما فعل إخوة يوسف بيوسف لا يقبل ذلك منهم حتى لقي جبريل يعقوب فعلمه هذا الدعاء: يا رجاء المؤمنين لا تخيب رجائي، ويا غوث المؤمنين أغثني، ويا عَوْن المؤمنين أعني، ويا مجيب التّوابين تُبْ عليَّ فاستجيب لهم.
فإن قيل قد تقدمت المغفرة لهم بقول يوسف من قبل: {لا تثريب عليكم} الآية، فلمَ سألوا أباهم أن يستغفر لهم؟
فعن ذلك ثلاثة أجوبة:
أحدها: لأن لفظ يوسف عن مستقبل صار وعدًا، ولم يكن عن ماض فيكون خبرًا.
الثاني: أن ما تقدم من يوسف كان مغفرة في حقه، ثم سألوا أباهم أن يستغفر لهم في حق نفسه.
الثالث: أنهم علموا نبوة أبيهم فوثقوا بإجابته، ولم يعلموا نبوة أخيهم فلم يثقوا بإجابته.
قوله عز وجل: {قال سوف أستغفر لكم ربي} وفي تأخيره الاستغفار لهم وجهان:
أحدهما: أنه أخره دفعًا عن العجيل ووعدًا من بعد، فلذلك قال عطاء: طلب الحوائج إلى الشباب أسهل منها عند الشيوخ، ألا ترى إلى قول يوسف: {لا تثريب عليكم اليوم} وإلى قول يعقوب: {سوف أستغفر لكم ربي}.
الثاني: أنه أخّره انتظارًا لوقت الإجابة وتوقعًا لزمان الطلب.
وفيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: عند صلاة الليل، قاله عمرو بن قيس.
الثاني: إلى السحَر، قاله ابن مسعود وابن عمر. روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أخرهم إلى السحر لأن دعاء السحر مستجاب».
الثالث: إلى ليلة الجمعة قاله ابن عباس ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعًا.
وإنما سألوه عن الاستغفار لهم وإن كان المستحق في ذنوبهم التوبة منها دون الاستغفار لهم ثلاثة أمور:
أحدها: للتبرك بدعائه واستغفاره.
الثاني: طلبًا لاستعطافه ورضاه.
الثالث: لحذرهم من البلوى والامتحان في الدنيا. اهـ.